إلى رحمة الله

 

 

وفاة حرمى فضيلة الشيخ سعيد أحمد البالنبوري والشيخ رياست علي البجنوري

 

 

 

     لقد كان يوم الإثنين: 19/ جمادى الأخرى 1432هـ الموافق 23/مايو 2011م يومًا حزينًا جدًّا في الجامعة الإسلاميّة دارالعلوم/ ديوبند؛ حيث وافتِ المنيّة بنحو مفاجئ كلاًّ من السيدة «سكينة بيغم» حرم فضيلة الشيخ سعيد أحمد البالنبوري شيخ الحديث ورئيس هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، والسيدة «صفية بيغم» حرم فضيلة الشيخ رياست علي البجنوري أستاذ الحديث الشريف حالياً ومدير المجلس التعليمي بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند سابقًا. وكانت الأولى تعاني عوارض النوبة القلبية والأخرى كانت تعاني عددًا من الأمراض والانحرافات الصحيّة الخطيرة منذ سنوات عديدة. فإنا لله وإنا إليه راجعون .

     كانت السيدة «سكينة بيغم» البالغة من عمرها 65 عامًا، مُجْمَلُ حالتها الصحيّة مستقرة، ولم يكن بها قبيل الوفاة ما يُشَكِّل خطرًا على حياتها أو مُؤَشِّرًا لقرب وفاتها، إذ ساءت حالتها في الهزيع الأخير من الليل، وفي نحو الساعة الرابعة والربع أدت صلاة الفجر بغاية من الصعوبة بتعاون من زوجها فضيلة الشيخ سعيد أحمد أبي رشيد أحمد، الذي صحا من النوم بعد ما شعر بالوعكة الصحيّة المفاجئة التي ألّمت بها، يتعهّدها بالعناية اللازمة. وما إن انتهت من الصلاة واستلقت على السرير حتى فارقت الحياة. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

     وبعد ما رُفِعَ أذان الفجر من منائر مساجد الحرم الجامعي بالجامعة، أعلن المؤذنون نعي وفاتها، وكان النعي مفاجئًا لجميع الأساتذة والطلاب وأهالي المدينة الذين تلقوه استغراب، وتَوَجَّه عدد كبير منهم إلى بيت الشيخ سعيد أحمد يعزونه في هذا المصاب الكبير.

     إثر صلاة الظهر من يوم الاثنين: 19/ جمادى الأخرى 1432هـ أديت صلاة الجنازة على الفقيدة الغالية التي حضرها جموع حاشدة من الأساتذة والطلاب والعلماء وأهالي المدينة ومن بلغهم النعي من مسلمي وعلماء وطلاب القرى والمدن والمدارس المجاورة فحضروا الصلاة عليها. ودفنت بالمقبرة القاسميّة الجامعيّة.

     كانت الفقيدة صوّامة قوّامة، محافظة على أحكام الدين، ساهرة على تربية أولادها، وكانت قد حفظت القرآن الكريم بعد الزواج، وتعلّمت من زوجها العالم الكبير كثيرًا من أحكام الدين التي أعانتها على تخريجها لأولادها على التقيد بالدين، وتخريجهم حفظةً لكتاب الله وعلماء بالدين. وسيكون ذلك صدقةً جاريةً لها بعد وفاتها، تزيد حسناتها وترفع درجاتها في جنة الخلد بإذن الله عزّ وجلّ.

     أمّا السيدة «صفية بيغم» ينت الشيخ العالم سلطان أحمد القاسمي مدير المكتبة المركزية للجامعة سابقاً التي كانت لدى وفاتها في 67 من عمرها فكانت قد عانت الكثير الكثير من المشاق من جراء الأمراض المتنوعة التي كانت قد جعلتها طريحة الفراش منذ سنوات عديدة، فكانت كفارة لما يكون قد صدر منها من الذنوب والأخطاء التي لايخلو منها بشر. وقد ظلت على مدى سنوات معاناتها للعوارض المتكاثرة صابرة شاكرة محتسبة. وظل أولادها وأعضاء أسرتها بمن فيهم زوجها العالم العامل الشيخ رياست علي ساهرين على علاجها وتعهدها بالعناية اللائقة وتوفير كل التسهيلات العلاجية من كل مكان وبأيّ ثمن؛ فكان ذلك كله ذخرًا لهم عند الله وثقلاً في موازين حسناتهم، والله لطيف بعباده يتخذ من لطائف الحيل للتكرم على عباده، ما تحتار لديه الألباب.

     ما إن عدنا إلى بيوتنا من تعزية الشيخ سعيد أحمد في وفاة حرمها، حتى أخبرنا بعض الإخوة في نحو الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الإثنين: 19/ جمادى الأخرى 1432هـ بوفاة السيدة «صفية بيغم» التي وافتها في نحو الساعة الثامنة والربع. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

     فزادنا ذلك حزنًا على حزن، ولاسيّما لأن الفقيدة الأخيرة ظلّت جارةً لنا على مدى نحو عشرين عامًا؛ حيث كنا نسكن جميعًا في السكن الجامعي الكبير المسمى بـ«أفريقي منزل قديم» الملاصق لمسجد «تشته» الأثري الشهير الذي منه بدأت الجامعة رحلتها التعليمية التأسيسية، فكنا كعائلة واحدة يشاطر بعض أعضائها بعضاً الأحلام والآلام حقًّا. وقد ظلت الفقيدة بعد ما انتقلت بعائلتها إلى منزلها الشخصيّ الحديث البناء على حبّها لنا، وعنايتها بنا، تستخبر أحوالنا، وتطّلع على الحديث الأحداث من أخبارنا عن طريق الغادين والرائحين وعن طريق الاتصالات الهاتفيّة.

     وقد كانت طينتُها معجونةً بالحبّ والأنس والعطف واللطف، تحافظ على تقاليد المجاملة النبيلة تجاهَ المعارف والأقارب. وكانت تحبّ أولادها وأحفادها وجميع أعضاء أسرتها كثيرًا، فكان أولادها نسخة منها في الأخلاق، من ثم وُجِدوا محزونين جدًّا على فراقها، يتذكرون حبها وحنانها، وعطفها ولطفها.

     بعد صلاة المغرب مباشرة من مساء الليلة المتخللة بين الإثنين والثلاثاء: 19-20/ جمادى الأخرى 1432هـ = 23-24/مايو 2011م أقيمت عليها صلاة الجنازة بالحرم الجامعي في محيط مولسري المعروف وغصّت الساحة الواسعة كلها بالمصلين من الطلاب والأساتذة والعلماء وعامة المسلمين من أهالي ديوبند وغيرها من المدن والقرى المجاورة.

     و وَرَّوْا جثمانَها في المقبرة القاسميّة الجامعيّة فيما بين المغرب والعشاء. وعدنا من المقبرة والساعةُ تاسعة إلاّ ربعًا.

     غفر الله الفقيدتين، وأنزل على قبريهما شآبيب رحمته ، وأدخلهما فسيح جنّاته، وألهم أهلهما الصبر والسلوان.

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان  1432هـ = يوليو 2011م ، العدد : 8 ، السنة : 35